Search This Blog

Monday, March 21, 2016

علموهم

هذا المقال تصدر المقالات الأكثر قراءة في الوطن العربي لهذا الأسبوع وقد كتبه الكاتب العماني: د. صالح الفهدي 

علِّموهم أول ما تعلموهم كيف يبتسمون؛ فما الدين بجهامةٍ، ولا هو بنكدٍ، بل أنزله الله ليكون إسعاداً للبشر، وسكينةً للقلوب، وطمأنينة للنفوس؛ فجعل الابتسامة عبادةً يُثاب عليها المسلم "تبسُّمك في وجه أخيك صدقة". وبهذا، فإنَّ من خالف ذلك فتجهَّم وجهه، وتمعَّر لونه، واكفهرَّت قسماته فهو مخالفٌ لدينه..! علِّموهم هذا لنرى الوجوه مُشرقة، زاهيةً، مُستبشرة لا في آخرتها فحسب، بل وفي دنياها أيضاً.

علِّموهم أنَّ جوهرَ العبادة في القلب؛ فهو المضغة التي إن صلحت صلح الجسد، وإن فسدت فسد القلب، كما جاء في الحديث الشريف، وأنَّ التقوى فيه، فإن برأ من أمراض القلوب كالحسد والرياء والحقد سلم، وصفى للناس؛ فبارك الله في صنيعه. علِّموهم أن المسجد ليس وحده مكان العبادة لله بل الأرض بأسرها، بعد أن توسِّعوا مداركهم في معنى العبادة، لتشمل العبادة: المختبر العلمي حيث يقضي فيه الإنسان مُنكباً على التجارب الطبية، والمكتبة حيث يبحث الباحث عن المعلومة العلمية، وفي السياحة حيث يتعبَّد السائح إلى ربه وهو ينظر إلى جمال صنيعه، وأحوال خلقه، وفي المكتب حيث يخلص في إنهاء مصالح الناس، وفي الشارع حيث يحافظ على النظام، وفي السوق حيث يوزن الناس بالقسط، وفي الناقلة حيث يقل الناس من مكانٍ لآخر، وفي التطوع حيث يمد يديه للمحتاجين، وفي كرسي الدراسة حيث يعد نفسه لبناء أمة، علِّموهم أنَّ العبادة في كل ميدانٍ، وكل عملٍ غايته شريفة" في كل سلامى من الناس صدقة" (والسلامى هي مفاصل الأصابع التي كلما تحركت، تحرك معها عداد الحسنات..!) ما أعظمك يا إلهي.

علِّموهم معنى التخلية قبل التحلية؛ أي أنَّ الإنسان يجب عليه أن يُخلِّي نفسه أولا من الشر قبل أن يحليها بالخير، وقولوا لهم: "فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى"(النجم:32)؛ فمدح النفس ظلمٌ لها وإفسادٌ لفطرتها، وارتكاسٌ لعلمها الخالص. فما أثقل كلام من يزكي نفسه على الله بالنظر الى غيره بأنه قد غوى وضل وأنه هو الذي اهتدى سواء السبيل..! نسب إلى نفسه الفضائل، وإلى غيره الرذائل..! فوقع في الجهل المضل، والغرور المخل!

علِّموهم أنَّ لله رحمات تتنزل ليل نهار، تغشى الكون، لتجيب السائلين، وتحمي الغافلين، وتشفي المعتلين، وتهدي الضالين، وليس عذابات تمطر الحجارات الحارة، وتثير البراكين الخامدة، وتوقظ الزلازل الراكدة.

علِّموهم أنَّ الله هو الحسيب على خلقه؛ ما جعل أوصياء على عباده يحاسبونهم على خطاياهم "ما عليْك منْ حسابهم من شيْءٍ وما منْ حسابك عليْهم من شيْءٍ فتطْردهمْ فتكون من الظالمين" (الأنعام:52)؛ فلا ينصِّبوا أنفسهم محاسبين لغيرهم وقد نسوا إصلاح أنفسهم بعد أن يغرهم إيمانهم، فإذا بهم يكفرون، ويقدحون، فذلك ظلمٌ للعباد، وتدخلٌ في شأن رب العباد!

علِّموهم أنَّ الله هو ربُّ الكافر كما هو ربُّ المؤمن، فكما أنشأكم على دينه، فقد هدى من شاء من عُصاته فأدخلهم في مرضاته، بل ولربما رفع بعضهم فوقكم درجات، وهو قادرٌ على هداية أهل الأرض جميعاً.

علِّموهم أنَّ الله كما هو رحيم بالمؤمنين فهو رحمن؛ أي أنه ذو رحمةٍ شاملةٍ لجميع الناس حتى لمن عصاه..! وأنَّ رحمته وسعت كل شيء، وسبقت غضبه، وهي مسيرةٌ وفق أمره.

علِّموهم أنَّ كلمة الحق لا تقع في طرف السيف، ولا في فوَّهة البندقية، ولا في زرِّ الحزام الناسف، إنما في سلامة الصدر، وحُسن المعاملة، ولطف القول، وبشاشة الوجه، وتهذيب اللسان؛ ذلك لأنَّ كلمة الله قطرةٌ منه، ونسمة من روحه، فإن بعث الله بها رسولاً أمره بحُسن أدائها ليس توقيراً للمدعو فهو يعلم تكبره، بل توقيراً للمرسل العظيم المتعال "اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى"(طه:44).

علِّموهم أن يدعوا لأنفسهم بالإصلاح، والهداية، والطمأنينة، ويتركوا عنهم الدعاء ضد غيرهم دعاء "اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبقي منهم أحدا‏،‏ وأرنا فيهم عجائب قدرتك‏،‏ وسلط عليهم الزلازل والبراكين، وزلزل الأرض من تحت أقدامهم واجعل كيدهم في نحورهم‏...إلخ"؛ فليس هذا ما تعلموه من نبيهم العظيم -عليه أفضل الصلاة والسلام- وهو يمسح دمه في غزوة أحدٍ وقد أصيبت رباعيته (سِنه الشريفة) وشُجَّ وجهه الكريم، فلم يدعُ على المشركين وإنما دعا الله بقوله:" اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون‏"..!‏ وليس هذا امتثالاً لقوله تعالى "ولوْ شاء الله ما أشْركوا وما جعلْناك عليْهمْ حفيظًا وما أنْت عليْهمْ بوكيلٍ" (الأنعام:107).

علِّموهم الإيمان بأنَّ الطالب إن لم يفهم فليس عيباً فيه، وإنما العيب في أوله على المعلم، كذلك على المسلم أن يتحمَّل مسؤولية أداء رسالة الدين للعالمين بأمانةٍ وإخلاصٍ قبل أن يقاتل، أو يتهم أو يدعو عليهم "وصدها ما كانتْ تعْبد منْ دون الله إنها كانتْ منْ قوْمٍ كافرين" (النمل:43).

علِّموهم أنَّ الدين جَوْهر قبل أن يكون مَظْهرًا؛ فالجوهر هو إخلاص النية، وسلامة القلب. أما الاعتناء بالظاهر دون الجوهر فهو الرياء المشؤوم، والنفاق المذموم.

علِّموهم أنَّ من يتخطى رقاب الناس ليصل إلى الصفوف الأولى في الصلاة وسيارته خارج المسجد تعيق المارة، وتسد الطريق أن ذنبه أعظم من أجره!

علِّموهم أن تتَّسع صدورهم لخلق الله، وأن يجعلوا التسامح خلقا، واللطف ديدنا، والرفق منهجا؛ فصاحب الخلق قد رفع بخلقه إلى منازل عليا "إنَّ المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل صائم النهار".

علِّموهم أنهم ليسوا في مقام الحُكم على الناس من مظاهرهم، أو تأويل أقوالهم؛ فــ "رُبَّ أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره"، وأنَّ الحُكم على الناس يفتح باب الاستعلاء، والتفضيل، وهو ما يقود إلى البطر والغرور!

علِّموهم أن يروا في الحياة إشراقة التفاؤل، لا قتامة التشاؤم، وأنْ يروا في الناس يسر الجانب، لا بؤس المآل. علِّموهم أنه ليس صحيحاً أن الدنيا -كما يقال- جنة الكافر وسجن المؤمن؛ فالله أكرم وأعظم من أن يخلقنا ليودعنا سجناً، ومع ذلك يوصينا بالتمتع بالطيبات من الرزق: "قلْ منْ حرم زينة الله التي أخْرج لعباده والطيبات من الرزْق قلْ هي للذين آمنوا في الْحياة الدنْيا خالصةً يوْم الْقيامة"(الأعراف:32).

علِّموهم أنَّ العبادة الحقيقية ليست هي طول المكوث في الصلاة، ولا الزهد في الدنيا بمعنى الإعراض عن طيباتها، بل هي في ميادين العمل، ومعترك التنافس على العمران. وأنَّ قوة المؤمن هي في مدى ما يملكه من قوة العلم والمعرفة والاقتصاد ومنافسة القوى العظمى إلى جانب يقين الإيمان، والصلة بالرحمن.

علِّموهم أنَّ للجنة ألفَ بابٍ وليس باباً واحداً؛ فكلُّ عملٍ صالحٍ هو بابٌ من أبوابها، والحياة ملأى بأبواب الجنة، وأنَّ للخير ضروباً وأصنافاً أعظمها ما نفع العباد، وأسهم في تقدم البلاد.

علِّموهم مبدأ العدل حتى مع الأعداء "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون"(المائدة:8). فلا "يجوروا" في الحكم، ولا "يفجروا" في الخصومة، ولا "يثخنوا" في العداوة!

علِّموهم الحياةَ في سبيل الله قبل الموت في سبيله؛ فليس الموت في سبيله بأعظم أجراً من الحياة في سبيله. علِّموهم كيف يسعدوا ويسعدوا في دنياهم لا أن يشقوا ويشقوا غيرهم فيها. يقول الشيخ مُحمَّد الغزالي رحمه الله: "أريد أن أفهم أبناء جماعة المسلمين أن الحياة في سبيل الله كالموت في سبيل الله".

علِّموهم كلَّ ذلك وأكثر من لطائف ديننا،  ورحمات ربنا.. ينشأوا على محبة الله، وقد طهُرت أنفسهم وزكت، فعطرت الدنيا بشذاها، وأضاء على الخلق سناها، فكانت خير من يمثل دينها، وينهض بأمتها. 
منقول ..


Thursday, March 10, 2016

حكم في أبيات

القصيدة التي لم يشتهر منها غير بيت واحد:
يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً
ويَروغُ منكَ كمـا يـروغُ الثّعلـبُ

رغم أهمية البيت الذي يليه ولكن الناس لم تعره بالا:

وَصِلِ الكرامَ وإنْ رموكَ بجفوةٍ
فالصفحُ عنهمْ بالتَّجاوزِ أصـوَبُ

كل بيت في هذه القصيدة يعادل كتاب أقرأها جيداً .  هي إحدى القصائد الخالدة للشاعر صالح بن عبدالقدوس احد شعراء الدولة العباسية .الرجاء التمعن في كلماتها ومعانيها..

فدَّعِ الصِّبا فلقدْ عداكَ  زمانُهُ                      وازهَدْ فعُمرُكَ  مرَّ منهُ الأطيَـبُ
ذهبَ الشبابُ فما له منْ عودةٍ                   وأتَى المشيبُ فأينَ منهُ المَهربُ
دَعْ عنكَ  ما قد كانَ في زمنِ الصِّبا               واذكُر ذنوبَكَ  وابِكها يـا مُذنـبُ
واذكرْ مناقشةَ الحسابِ فإنه                       لا بَـدَّ يُحصي ما جنيتَ ويَكتُبُ
لم ينسَـهُ الملَكـانِ حيـنَ نسيتَـهُ                   بـل أثبتـاهُ وأنـتَ لاهٍ تلعـبُ
والرُّوحُ فيكَ  وديعـةٌ أودعتَهـا                     ستَردُّها بالرغمِ منكَ وتُسلَـبُ
وغرورُ دنيـاكَ التي تسعى لها                      دارٌ حقيقتُهـا متـاعٌ يذهـبُ
والليلُ  فاعلـمْ والنهـارُ كِلاهمـا                      أنفاسُنـا فيهـا تُعـدُّ وتُحسـبُ
وجميعُ مـا خلَّفتَـهُ وجمعتَـهُ                         حقاً يَقيناً بعـدَ موتِـكَ  يُنهـبُ
تَبَّـاً لـدارٍ لا يـدومُ نعيمُهـا                          ومَشيدُها عمّا قليـلٍ يَـخـربُ
فاسمعْ هُديـتَ نصيحةً أولاكَها                     بَـرٌّ نَصـوحٌ للأنـامِ مُجـرِّبُ
صَحِبَ الزَّمانَ وأهلَه مُستبصراً                    ورأى الأمورَ بما تؤوبُ وتَعقُبُ
لا تأمَنِ الدَّهـرَ  فإنـهُ                              مـا زالَ  قِدْمـاً للرِّجـالِ يُـؤدِّبُ
وعواقِبُ الأيامِ في غَصَّاتِهـا                        مَضَضٌ  يُـذَلُّ لهُ الأعزُّ الأنْجَـبْ
فعليكَ تقوى اللهِ فالزمْهـا تفـزْ                    إنّ التَّقـيَّ هـوَ البَهـيُّ الأهيَـبُ
واعملْ بطاعتِهِ تنلْ منـهُ الرِّضـا                   إن المطيـعَ لـهُ لديـهِ مُقـرَّبُ
واقنعْ ففي بعضِ القناعةِ راحةٌ                     واليأسُ  ممّا فاتَ فهوَ المَطْلـبُ
فإذا طَمِعتَ كُسيتَ ثوبَ مذلَّةٍ                   فلقدْ كُسيَ ثوبَ المَذلَّةِ أشعبُ
وابـدأْ عَـدوَّكَ بالتحيّـةِ ولتَكُـنْ                    منـهُ زمانَـكَ خائفـاً تتـرقَّـبُ
واحـذرهُ إن لاقيتَـهُ مُتَبَسِّمـاً                       فالليثُ يبدو نابُـهُ إذْ يغْـضَـبُ
إنَّ العدوُّ وإنْ تقادَمَ عهـدُهُ                        فالحقدُ باقٍ في الصُّدورِ مُغَّيبُ
وإذا الصَّديـقٌ لقيتَـهُ مُتملِّقـاً                        فهـوَ العـدوُّ وحـقُّـهُ يُتجـنَّـبُ
لا خيرَ في ودِّ امـريءٍ مُتملِّـقٍ                      حُلـوِ اللسـانِ وقلبـهُ يتلهَّـبُ
يلقاكَ يحلفُ أنـه بـكَ واثـقٌ                      وإذا تـوارَى عنكَ فهوَ العقرَبُ
يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً                ويَروغُ منكَ كمـا يـروغُ الثّعلـبُ
وَصِلِ الكرامَ وإنْ رموكَ بجفوةٍ                    فالصفحُ عنهمْ بالتَّجاوزِ أصـوَبُ
واخترْ قرينَكَ واصطنعهُ تفاخراً                   إنَّ القريـنَ إلى المُقارنِ يُنسبُ
واخفضْ جناحَكَ للأقاربِ كُلِّهـمْ                  بتذلُّـلٍ واسمـحْ لهـمْ إن أذنبوا
ودعِ الكَذوبَ فلا يكُنْ لكَ صاحباً               إنَّ الكذوبَ يشيـنُ حُـراً يَصحبُ
وزنِ الكلامَ إذا نطقـتَ ولا تكـنْ                ثرثـارةً فـي كـلِّ نـادٍ تخطُـبُ
واحفظْ لسانَكَ واحترزْ من لفظِهِ                 فالمرءُ يَسلَـمُ باللسانِ ويُعطَبُ
والسِّرُّ فاكتمهُ ولا تنطُـقْ بـهِ                      إنَّ الزجاجةَ كسرُها لا يُشعَبُ
وكذاكَ سرُّ المرءِ إنْ لـمْ يُطوهِ                    نشرتْـهُ ألسنـةٌ تزيـدُ وتكـذِبُ
لا تحرِصَنْ فالحِرصُ ليسَ بزائدٍ في الرِّزقِ        بل يشقى الحريصُ ويتعبُ
ويظلُّ ملهوفـاً يـرومُ تحيّـلاً                        والـرِّزقُ ليسَ بحيلةٍ يُستجلَبُ
كم عاجزٍ في الناسِ يأتي رزقُهُ                     رغَـداً ويُحـرَمُ كَيِّـسٌ ويُخيَّـبُ
وارعَ الأمانةَ * والخيانةَ فاجتنبْ                   واعدِلْ ولا تظلمْ يَطبْ لكَ مكسبُ
وإذا أصابكَ نكبةٌ فاصبـرْ لهـا                     مـن ذا رأيـتَ مسلَّماً لا يُنْكبُ
وإذا رُميتَ من الزمانِ بريبـةٍ                      أو نالكَ الأمـرُ الأشقُّ الأصعبُ
فاضرعْ لربّك إنه أدنى لمنْ                         يدعوهُ من حبلِ الوريدِ وأقربُ
كُنْ ما استطعتَ عن الأنامِ بمعزِلٍ                إنَّ الكثيرَ من الوَرَى لا يُصحبُ
واحذرْ مُصاحبةَ اللئيم فإنّهُ                        يُعدي كما يُعدي الصحيحَ الأجربُ
واحذرْ من المظلومِ سَهماً صائباً                    واعلـمْ بـأنَّ دعـاءَهُ لا يُحجَـبُ
وإذا رأيتَ الرِّزقَ عَزَّ ببلـدةٍ                      وخشيتَ فيها أن يضيقَ المذهبُ
فارحلْ فأرضُ اللهِ واسعةَ الفَضَا                  طولاً وعَرضاً شرقُهـا والمغرِبُ
فلقدْ نصحتُكَ إنْ قبلتَ نصيحتي                 فالنُّصحُ أغلى ما يُباعُ ويُوهَـبُ