Search This Blog

Saturday, December 28, 2013

إلى مشايخ الثورة

الشيخ سمير بن خليل مالكي

إلى مشايخ الثورة

الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد ، فهذه تعقيبات على بعض مقالات مؤيدي الفتنة، التي ابتليت بها الأمة في هذه الأيام.
وقد عمدت إلى الاختصار في الرد ، لأمرين:
الأول: وضوح الخطأ في أكثر  تلك المقالات، فلا يحتاج إلى سرد الحجج والبراهين لبيان بطلانها.
الثاني: أنه قد سبق التفصيل في حكم هذه الفتن، في البحوث السابقة: "دعاة الفتنة" ، و"يؤتي الحكمة" ، و"حماقة الإخوان" ، ثم  "تناقض الأحزاب".
وقد ذكرت فيها النصوص التي تحرم القتال في الفتنة، ومنابذة ولاة الجور، وما يشهد لها من الآثار، والوقائع والأحداث، التي مضت في الدول والممالك السالفة.

" تحريض الثوار"
لما حصلت ثورة تونس وما بعدها، قام أكثر قادة الأحزاب بإعلان تأييدهم لها، وأعرضوا عن ذكر النصوص الصريحة في منع الخروج على ولاة الجور، وموقف السلف منها.
تكلم القرضاوي كثيراً، وخطب طويلاً, في تأييد الثورات، حتى قال عن رئيس ليبيا (اقتلوه ، ودمه في رقبتي).
وألمح إلى إباحة دم البوطي، فتم اغتياله في المسجد.
وأفتى: أن دعم الثوار, ضد نظام بشار، مقدم على حج بيت الله.
ولما سئل عن أحاديث الصبر على الولاة، استخف بها، وأشاح بيده، كأنه يطرد ذباباً وقع على وجهه، وقال: هذه لا يعمل بها، إلى متى الصبر؟
وضعف حديث حذيفة في مسلم الذي فيه (وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك).
قلت: منذ متى كان القرضاوي يفرق بين صحيح الحديث وضعيفه؟
بل هو صاحب رأي وهوى، وحاطب ليل في كل علم وفن.
هذا مع أن حديث حذيفة قد صححه مسلم، وله شاهد موقوف من قول عمر في مصنف ابن أبي شيبة.
وتشهد له النصوص الأخرى، التي ذكرت ظلم الولاة، واستئثارهم على الرعية، ومنعهم حقوقهم، وغير ذلك من المخالفات الشرعية.
كقوله صلى الله عليه وسلم (إنكم ستجدون أثرة ، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض). رواه البخاري.
وقوله (سترون بعدي أثرة ، وأموراً تنكرونها) .. إلى أن قال (تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم). متفق عليه.
وقوله (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره). متفق عليه.
وتعجب أن القرضاوي استدل ببعض هذه الأحاديث في تأييد مرسي بعد عزله !
قلت: وأما عن أمد الصبر على الجور فقد قال صلى الله عليه وسلم (حتى تلقوني على الحوض).
وأما العريفي: فله رأي سمج في حديث حذيفة، حيث ذكر أنه ينزل على من يظلم واحداً أو اثنين من الرعية، لا من يظلم كل الرعية!
وهذه مقولة لا تصدر إلا عن جاهل. فإن قوله (وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك)، ليس مقصوده ظلم الواحد، بل هو عام، كما يفهمه كل عاقل.
ثم أين النصوص الأخرى التي جاءت بصيغة الجمع؟
وتعجب حين يؤصل بعضهم المسألة، فلا يجد ما يستدل به إلا الثورات الغربية.
ففي لقاء مع حاكم المطيري، تكلم فيه عن الثورات العربية، وذكر أنه لابد من تضحيات بالأنفس الكثيرة في سبيل حرية الشعوب.
والدليل يا سماحة الإمام ؟
قال: الثورات الغربية، والحروب العالمية، التي ذهب فيها عشرات الملايين !
قلت: ما أرخص الدماء المسلمة عند أصحاب الهوى والفتنة، فإنه لم يشرع إراقتها إلا في الجهاد في سبيل الله، وهو القتال الشرعي المأذون فيه، المستوفي شرائطه، لا قتال الفتنة المنهي عنه.
(إن دماءكم وأموالكم، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا).
(إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار).

" الجهاد في سوريا "
وأما عن الشأن السوري، فقد تتابعوا على إعلان الجهاد هناك، ومنهم من جعله فرض عين بالنفس: كالقرضاوي، والحويني، ومحمد حسان، والزغبي، ومحمد الددو.
ثم أكدوه في مؤتمر الأمة المنعقد في مصر في آخر عهد مرسي.
وصرح آخرون بفرضية الكفاية بالنفس، وتعيينه بالمال: كناصر العمر، والعرعور، وعبدالعزيز الفوزان، وعلوي السقاف، وخالد المصلح، وعثمان الخميس ( ثم تراجع أخيرا وأقر بخطأ الثورة لعدم القدرة ).
قلت: كيف تفعل بالدماء التي سفكت والأعراض التي انتهكت ، بسبب فتواك القديمة يا شيخ عثمان ؟
وكلهم صرحوا بكفر بشار ، ولم يلتفتوا إلى أمرين:
الأول: أن الحكم المطلق على الطائفة والمذهب شيئ ، والحكم على المعين شيئ آخر.
ولهذا فإن أكابر السلف، وإن كفروا الجهمية والرافضة، وغيرهم من الغلاة، من حيث العموم، إلا أنهم قد توقفوا في المعين.
ولهذا، لم يطلقوا الكفر على الولاة الذين امتحنوا العلماء، بالقول بخلق القرآن، ونفي الرؤية.
ثم من يشهد على بشار، أنه يعتقد مذهب النصيرية ؟
أوليس يشهر السنة، في صلاته ونسكه وشعائره، وقد أسند القضاء والإفتاء والخطب إلى علماء السنة ؟
الأمر الآخر: أنهم لم ينظروا في القدرة على خلع الكافر، فإنها شرط لإباحة الخروج عليه، كما ذكره العلماء، ومنهم ابن عثيمين.
وقد غرر دعاة الخروج بالعامة، وتركوهم فريسة لظلوم سفاك، لا يرقب فيهم إلّاً ولا ذمة، ففعل فيهم مالا يكاد يوصف.
هذا ، والشيوخ آمنون، هم وأولادهم ونساؤهم، حتى من زعم فرضية العين بالنفس، عجبي !
ثم زادوا على تلك البلية، أن كانت ندواتهم _ ولا تزال _ تعقد في تركيا، حليف الناتو، لتسليح العصابات العمية لضرب الشام.
وليتهم اتحدوا في هذه الفتنة أيضا، بل هم أكثر تفرقا مما كانوا عليه من قبل، طمعا في قطف الثمرة، بعد سقوط النظام.
فأي جهاد هذا، والرايات مختلفة، بل متناحرة ؟
وقد حصل تناوش بينهم وعدوان، هذا فيما ظهر حتى الآن، والله أعلم بحقيقة ما يجري بينهم من فتن.
وقد حصل تلاعب في تقسيم أموال المسلمين، التي جمعت للثوار، حتى جعل العرعور، يرعد ويزبد، ويقوم ويقعد، ويتوعد بهتك الأسرار !
فإن قيل: جهاد الدفع لا يفتقر إلى نية، ولا إمام، ولا راية، بل كل يدفع بحسب طاقته.
قلنا: تناقضتم، فإنكم ذكرتم أولا بأنه جهاد لخلع الكافر، وهذا جهاد طلب، ولا يكون كذلك، إلا إذا اتحدت الراية والنية منذ البداية، حتى لا يخلع كفر، ويحل محله كفر آخر _ كما حصل في تونس وليبيا.
ثم زعمتم أنه جهاد دفع للصائل، فنقول: ومن الذي هيج الصائل في الأساس ؟
كان الناس آمنين في الشام، يشهد بهذا كل من دخلها سياحة أو تجارة.
فما زلتم تحرضون الأغرار، وتؤزونهم إلى الخروج أزاً، حتى أوذي الشعب كله، وأنتم على يقين جازم، أنهم لا قبل لهم بجيش الظالم، فأسلمتموهم له، يهتك ويسفك، ثم خطبتم على أشلائهم وأعراضهم.
ثم نقول: حين فعل يزيد بأهل الحرة في المدينة ما فعل، لم لم يعلن الجهاد عليه الصحابة والسلف _ دفعا للصائل ؟
ولماذا لم يدفعوا صولة الحجاج على الكعبة ؟
والواقع أن أكثرهم قد اعتزل تلك الفتن، حتى ربما تركوا الاستخبار عنها.
قال مطرف بن عبدالله (لبثت في فتنة ابن الزبير تسعاً _ أو سبعاً _ ما أخبرت فيها بخبر، ولا استخبرت فيها عن خبر). ابن سعد [7/143].
وقيل للشعبي في فتنة ابن الأشعث:
أين كنت يا عامر ؟
فقال : كنت حيث يقول الشاعر :
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى
وصوت إنســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان فكدت أطير
منهاج السنة [ 4 / 240 ] . 


" مجازفات خطيرة "
ومن أشنع ما اختلقه رؤساء الفتنة ، دعوى نزول الملائكة لنصرتهم .
وقد ذكر العريفي في خطبته _ نقلا عن مجهول في سوريا _ أن الملائكة  كانت مع الثوار، ضد جيش بشار.
وهذه مجازفة عظيمة، والشيخ محسوب على أهل العلم، فكيف يخوض في أمر غيبي خوض الجهلة ؟
وإلى متى ستظل خطب الشيخ: حكايات ، وطرائف ، ومجازفات؟
وقد زعم محمد البلتاجي أن جبريل والملائكة تنزل بالسلام ليلة القدر على معتصمي رابعة، وبالدمار على معتصمي التحرير.
قلت: {سلام هي حتى مطلع الفجر} فمن أين أتيتم بأنها على غيركم عذاب ودمار؟
وإلى متى تجترئون على الغيب، بمثل هذه الهرطقات التي تقذفونها لتأييد ثوراتكم؟
ومن الذي أنبأكم بهذا ، أعلى الله ورسله تفترون ؟
وما سمعنا أن الصحابة والسلف زعموا شيئاً من ذلك ، وقد خاضوا معارك عظيمة، أشرف من كل ثوراتكم العمية.
خاضوا حروب الردة، وفارس والروم، وغيرها، وما ادعى أحد أن جبريل، أو غيره من الملائكة، نزل لنصرته.
وأما قتال الفتنة في الجمل وصفين، فإنهم كانوا أكثر ورعاً من أن يدعوا فيه تلك الدعوى، بل قد ندم أكثرهم على خوضهم فيها.
ومن أشنع المجازفات، مقالة موفق السباعي، التي جاء فيها (وكأن الله تعالى _ وهو القائد الأعلى، والرائد الأسمى، لهذه الثورة الشامية المباركة  _ يغار على عبيده الطيبين المعذبين .. ) الخ !
قلت: نستغفر الله العظيم.
وماذا تركتم لغلاة الرفض والتصوف، من رجم بالغيب، بعد هذا ؟
ثم: لماذا لم نسمع إنكاراً على مثل تلك الطوام ؟
وأين بكاء الشيخ ناصر العمر ؟

" الخوض في الفتن "
ندبت النصوص والآثار إلى الفرار من الفتن ، حتى بوب البخاري في صحيحه بــــ ( باب من الدين الفرار من الفتن ).
ثم ذكر حديث (يوشك أن يكون خير مال المسلم، غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن).
وهذا الحديث، يشير إلى فضل التنائي عن الفتن، والتحذير من الاستشراف لها، خشية أن يقع المسلم فيها.
وأصرح منه، حديث (ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأً أو معاذاً فليعذ به). متفق عليه .
وحديث (.. تكف لسانك ويدك، وتكون حلساً من أحلاس بيتك). رواه أبوداود.
ومع وضوح المعنى في تلك النصوص إلا أن أكثر الشيوخ قد خاضوا في الفتن والثورات، تحريضاً وتحريشاً ، حتى زعموا فرضية المشاركة فيها، وتأثيم المعتزل، والساكت فيها.
في لقاء مع عبدالعزيز الطريفي سئل فيه عن موقف المسلم في الفتن، فتكلم بكلام طويل لا فائدة فيه تذكر، ثم خلص إلى قول عجيب.
حيث زعم أن على العالم أن يخوض في غمار الفتنة، وتأول حديث (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال)، بأنه خاص بالجاهل، الذي لا يدرك التفريق بين الحق والباطل .
وهذا خطأ فاضح ، فإن النصوص كلها تندب المسلم إلى الفرار من الفتن، وقد أغفل الشيخ ذكرها _ مع أنها مشهورة في الصحاح وغيرها _ وقد عمل بها أكابر الصحابة والسلف، واستدل بها الأئمة على وجوب اعتزال الفتنة.
وقد أثنى الطريفي في ذلك اللقاء على كل الثورات العربية، وعدها مخاضا لما سيأتي بعدها من خير.
قلت، أولا: أي خير حصل للأمة في تونس وليبيا ومصر وسوريا ؟
قال ابن تيمية: ( وقل من خرج على إمام ذي سلطان، إلا كان ما تولد على فعله من الشر، أعظم مما تولد من الخير، كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة، وكابن الأشعث، الذي خرج على عبدالملك بالعراق ..
وغاية هؤلاء: إما أن يغلبوا، وإما أن يغلبوا، ثم يزول ملكهم، فلا يكون لهم عاقبة ) . المنهاج [ 4 / 240 ] .
ثانيا: تعجب من سعة حفظ الشيخ الطريفي للنصوص، ثم يأتي في مسألة الفتن والخروج على الولاة، فيضرب عنها صفحاً، ويخوض فيها خوض أهل الرأي والهوى.
يقول ابن تيمية ( ومن استقرأ أحوال الفتن التي تجري بين المسلمين، تبين له، أنه: ما دخل فيها أحد فحمد عاقبة دخوله، لما يحصل له من الضرر في دينه ودنياه، ولهذا كانت من باب المنهي عنه، والإمساك عنها من المأمور به، الذي قال الله فيه {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } . المنهاج [ 4 / 184 ] .
وقد أطال شيخ الإسلام الكلام عن الفتن عموماً، وعن الفتن التي حدثت بين الصحابة، وذكر أن ترك الخوض فيها هو المذهب الراجح، وأن أكثر الصحابة على هذا، وأن من خاضها من الكبار، قد ندم على ذلك.
قال الزبير بن العوام عن آية { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } : لم نكن نحسب أنّا أهلها حتى وقعت فينا حيث وقعت.
وروى البخاري عن خلف بن حوشب قال : كانوا يحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند الفتن :
الحرب أول ما تكون فتية
تسعى بزينتها لكل جهول
حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها
ولت عجوزا غير ذات حليل
شمطاء ينكر لونها وتغيرت
مكروهة للشم والتقبيل
وفي لقاء آخر، تكلم فيه الطريفي عن مؤتمر الأمة لنصرة سوريا، ثم زعم أن الساكت _ غير المشارك _ في دعم ثورة سوريا، يعد شريكاً في الإثم !
وشبهه بمن لعن من بني إسرائيل لتركهم الإنكار !
ثم وصف من يمنع الناس من نصرة الثوار ، بأنه جاهل ( جهلاً مستفحلاً عريضاً ) ، كذا قال بالحرف .
قلت : وهذا جهل فاضح من الشيخ، ومعارضة صريحة، للنصوص والآثار .
وفي الحديث < إنها ستكون فتنة تستنظف العرب ، قتلاها في النار ، اللسان فيها أشد من وقع السيف > .
رواه أبو داود والترمذي .
وفي أثر حذيفة بن أسيد، ذكر شر الناس في الفتن، فقال <كل خطيب مصقع ، وكل راكب موضع>. صححه الحاكم [4/529].
وقوله < راكب موضع > ، أوضع : أي أسرع.
والمعنى : أن شر الناس في الفتن ، من يسارع في خوضها ، ومن يحرض الناس عليها ، ويغرر بهم ، لفصاحة لسانه .
ولا زلت أعجب من مثل الشيخ المحدث الطريفي ، في سعة علمه وحفظه ، ثم يتمحل في تأويل النصوص الصريحة في الفتن ، ويخوض في أمور السياسة ، على سنن أهل الرأي والظن .   
وقد سئل محمد الددو عن فتنة مصر، بعد عزل مرسي ، فزعم أن الساكت عن إنكار ما فعله الجيش ، يعد شريكا في إثم تلك الدماء!
قلت: والعجب أيضا من مثل هذا  الشيخ ، الذي يحفظ فنون العلم ، ويتزيّا بزي أكابر الفقهاء ، ثم ينطق بمثل هذا الهراء !
وأعجب من ذلك استدلاله بأثر عمر في قتيل اليمن < لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم >.
قلت : وهذا جهل آخر ، فإن هذا يقال فيمن اشترك في قتل معصوم ، فما شأن الساكت ؟
وأقول للشيخ: كلا ، بل من أخرجهم، وغرر بهم ، وحرضهم ، أولى بالمشاركة في إثم تلك الدماء ، ممن سكت واعتزل ، أو نصحهم بالقرار في البيوت واجتناب الفتن والقتل.
وفي الصحيح : أن رجلا جاء إلى ابن عمر يسأله عن دم البعوض ، فسأله ممن أنت ؟ فقال : من أهل العراق .
فقال < انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض ، وقد قتلوا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم>.
فجعل من تسبب في قتله ، ممن حرضه وغرر به ، كمن قتله.
وابن عمر ، وأكثر الصحابة ، كانوا قد اعتزلوا ذلك القتال ، ومنهم من نصح الحسين بعدم الخروج ، حتى كاد ابن عباس أن يمنعه بيده.
فأي الفريقين أحق بأن يكون مشاركا في دم الحسين : ابن عمر ، ومن معه من أكابر الصحابة والتابعين ، في سكوتهم عن الإنكار على يزيد ، واعتزالهم لنصرة الحسين ( وكذا أهل الحرة ) ، أم من حرضهم وغرر بهم ؟
جاء رجل إلى ابن عمر يحرضه على الدخول في الفتنة ، فذكر له قول الله تعالى { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } الآية .
فقال ابن عمر : يابن أخي ، أعير بهذه الآية ، ولا أقاتل ، أحب إلي من أن أعير بالآية التي يقول الله فيها {ومن يقتل مؤمناً متعمداً}. رواه البخاري.
وفي سنن أبي داود، في قصة الذين أفتوا بوجوب الغسل لصاحب الشجة، فتسببوا بقتله، فقال صلى الله عليه وسلم (قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا). الحديث.

" خاتمة "
وأختم بكلمة جامعة ، أدعو فيها كل مشايخ الثورة ، إلى التحاكم إلى النصوص والآثار ، والتمسك بمذهب السلف الأخيار، والاعتبار بالأحداث التي حصلت من قبل في هذه الأمة ، والحذر من التحريض على الخروج على الولاة ، وإن كانوا من الفجار.
قال ابن تيمية ( ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة ، للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة ، وترك قتالهم وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين ) . منهاج السنة [ 4 / 241 ].
ولا يجرمنكم شنآن من يخالفكم من أهل العلم ، أن لا تعدلوا ، فتعرضوا عن اتباع النصوص والآثار ، لكونهم أشهروها ، فكانوا هم أوفر حظا بها ، وأكثر إشادة منكم بها.
ولا يأتي مخالفوكم  بالأثر والقول المسدد ، وتعارضونهم أنتم بالظن والرأي المجرد.
وأنصح كل من ينتصر لشيخ يعظمه ، أو طائفة ، أو حزب ، أن يتحرى الحق ، ويدور معه حيث دار ، فإن الحق لا يعرف بالرجال.
قال الإمام ابن بطة في الإبانة ( فإن هذه الفتن والأهواء ، قد فضحت خلقا كثيرا ، وكشفت أستارهم عن أحوال قبيحة ، فإن أصون الناس لنفسه ، أحفظهم للسانه ، وأشغلهم بدينه ، وأتركهم لما لا يعنيه).
وقال الفضيل ( الزموا في آخر الزمان الصوامع _ يعني البيوت _ فإنه ليس ينجو من شر ذلك الزمان إلا صفوته من خلقه).
روى ابن عبدالبر في جامع بيان العلم، واللالكائي في السنة، عن مصعب الزبيري أنه أنشد :
أأقعد بعدما رجفت عظامي
وكان الموت أقرب ما يليني
أجادل كل معترض خصيم
وأجعل دينه عرضا  لديني
فأترك ما علمت لرأي غيري
وليس الرأي كالعلم اليقين
وقد سنت لنا سنن قوام
يلحن بكل فج أو وجين
وكان الحق ليس به خفاء
أغر كغرة الفلق المبين
فأما ما علمت فقد كفاني
وأما ما جهلت فجنبوني
وكنا إخوة نرمى جميعا
ونرمي كل مرتاب ظنين
فما برح التكلف أن رمتنا
بشان واحد فرق الشئون
فأوشك أن يخر عماد بيت
وينقطع القرين من القرين

قال الله تعالى: { قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين }.


***********************
وكتب : سمير بن خليل المالكي
مكة المكرمة حرسها الله..
الجمعة    21/11/١٤٣٤ه

No comments:

Post a Comment