Search This Blog

Thursday, February 25, 2016

أمي

أمي
يا عِلةَ كياني ورفيقة أحزاني، يا رجائي في شدتي، وعزائي في شقوتي، يا لذتي في حياتي وراحتي في مماتي، يا حافظةَ عهدي ومُضيئةَ سهدي وهاديةَ رشدي، يا ضاحكةً فوق مهدي وباكيةً فوق لحدي، أمي وما أحلاكِ يا أمي....
اذا تركني أهلي فأنتِ لا تتركينني وان ابتعدَ عني أحبابي فأنتِ لا تبتعدين وان نَقَمَتْ علي الحياة جميعها فأنتِ تصفحينَ وترحمين. أنتِ يا مُسَّكِّنة وجعي و ألمي ومُبيدة بؤسي وهمَّي، أنتِ وما أصفاكِ يا أمي. على بساط الأوجاعِ ولَدتِني، وبأيدي الآلامِ ربَّيتني، وبعيون الاتعاب رعيتني، وبصدر المشقات حمَلْتِني، ثم كَبُرتُ فقلوتُ آلامِك وسلوتُ أيامِك، هكذا نَسيتُ رحمي واحتقرتُ دمي فما أعقَّني وما أوفاكِ يا أمي.

قد غِبتُ عنكِ يا أمي فغابَ عن عيني وجهُكِ الباسم بملامحهِ الرقيقةِ الرزينة، ومعانيهِ الرقيقةِ الحنونة، وتراكمتْ على رأسي هُمومُ الحياةِ بضجيجِها الهائلِ فَضعضعتْ فِكري وزلزلتْ قلبي.  وتقاذفتني أمواجُ المتاعبِ والشقاء فغرِقتُ في لُجَجٍ طاميةٍ وظُلُماتٍ داجية.  وبعينين غشى عليهما الرُعبُ نظرتُ من أعماقِ قنوطي فرأيتُ وجهكِ اللطيف الثابت يبتسمُ إليَّ من الأقاصي البعيدة: فبكيتُ وبكيت وصرختُ "يا أمي".  آه ما أقسى الغربة وما أمر الوحشة، قد كرهتُ البعاد يا أمي فاشتاقت نفسي إلى ماضيها الأمين، قد كرهتُ التمشي بين القصور الفخمة والمباني الشاهقة فاشتاقَ قلبي إلى بيتنا الصغير المنفرد...
في المساء عندما أنطرحُ على فراشي الخشن القاسي أذكرُ يديكِ اللطيفتينِ الناعمتينِ، وفي الليل لما تمتزج أفكاري بأبخرة الاحلام أشعرُ بقدميكِ الصغيرتينِ تنقرانِ الارضَ حولَ سريري، وفي الصباح أفتح عيني لأراكِ فلا أرى غيرَ جُدران الغرفة السوداء، ولأسمعُكِ فلا أسمعُ غيرَ أصوات الغرباء.  وفي النهارِ أمشي بين النساءِ مفتشاً متسائلاً: "أيتها النساء هل رأيتُّن أمي؟".
إذا مِتُّ يا أمي، إذا قَتَلَني وجدي ودفنت آمالي في هذهِ الارضِ القاسيةِ الغريبةِ،  فاجلسي عند الغروب قُربَ غابةِ السنديان وأصغي هناكَ إلى رُوحٍ امتزجت بنسماتِ الغابة وأشجارِها يُرَّتلن بهدوء متمايلات مرددات:
يا أمي....... يا أمي......يا أمي.
(أمين مشرق)

Wednesday, February 24, 2016

اسكات الضمير

إسكات الضمير

كاتب المقال / عادل الكلباني

يُسكِتون ضمائرهم بصبغ أخطائهم بالشريعة، ويتحايلون على الضمير أو ما بقي منه كي لا يلوم ولا يمانع الاستمرار في الخديعة!  

يحزم حقائبه إلى (أندونيسيا) في عطلة قصيرة جدا، هو ينوي الاستمتاع بامرأة، لكن ضميره لا يطاوعه فيحتاج أن يحتال عليه ليسكته فيوهمه أن ما يفعله شرعي قد أفتى به العلماء!

يقول لضميره: أنت ذاهب للزواج على سنة الله ورسوله، وإن كنت تنوي الطلاق بعد يومين أو ثلاثة فالزواج صحيح، ولو كان بغير ولي فهذا قول أبي حنيفة، ولو لم يدر من هي، ولا يسأل عنها ولا عن أخلاقها ولا عن أهلها، بل مجرد رؤيتها في صالة العرض تكفي، ولو كان يعلم علما شبه يقيني أنها كانت مع غيره قبل مدة، بنفس الصيغة، وبنفس الأعذار، ولم تزل (عدتها)!

يسأله ما تبقى من الضمير: أليست الأعمال بالنيات؟

فيسكته بأن الشروط والأركان تامة فالعقد صحيح.

يقول الضمير: حسنا، والخديعة؟ والنية؟ ألا تؤثران؟  

يسكته مرة أخرى: لا، لا أثر لهما فهما في القلب، لم نتفق على مدة فيكون متعة، فلا تكن (حنبليا) فالعبرة بصحة العقد لا بسلامة النية.  

فيسأله الضمير: أليس لو تزوجت امرأة بنية تحليلها لزوجها المطلِق ثلاثا لم يصح، إذ لا بد من نكاح تام بنية الزواج الدائم، فكيف أثرت النية هناك ولم تؤثر هنا؟

فيسكته مرة أخرى: نحن نعمل بالفتوى، فإن كانت خطأ ففي ذمة المفتي.  

حسنا، يقول الضمير: فهل ترضاه لأختك، أو لابنتك؟

يتلعثم ويتمتم، ثم يلهمه شيطانه الجواب، يا أيها الضمير المتبقي فيّ، لهذا جئت إلى هنا، فأنا لم أفعله في النساء العفيفات في بلادي الطاهرة، إنما فعلته في قوم فقراء يحتاجون المال فأعطيهم قليلا منه يرضيهم ويغنيهم!

يحتار الضمير ويتساءل: كأني كنت أسمعك تحكي أن المسلمين إخوة، وأن أعراضهم مصونة، وأن لا فرق بين عربي وعجمي، وأن، وأن!

فيجيبه بكل ارتياح: الناس تختلف، ولا بد من إنزال الناس منازلهم!

هذه حالة من حالات إسكات الضمير، وما أكثرها في نواح شتى من حياتنا المصبوغة دينيا، حيث يسكت ضميره، أو ما تبقى من ضميره حين يريد أن يرتشي، فيسميها بغير اسمها، فهي إكرامية، عمولة، أتعاب، وإن لم تأخذها أنت أخذها غيرك، والمهم أن تتقن العمل، فإن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه - هو يحفظ الأحاديث التي تعينه على خداع ضميره، وإسكاته - فأنت لن تغش، ولكن ستتقاضى شيئا من تحت الطاولة ثمنا لأتعابك، وأنت لن تأخذ إلا من بيت مال المسلمين، ولك فيه حق كما لبقية المسلمين! يتناسى أن الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس!

يسكت ضميره وهو يقتل المسلمين يوهمه أنه يجاهد، وينصر الدين، ويعلي راية الإسلام، وأنه لو مات مات شهيدًا، وإن عاش عاش حميدًا، وأن هؤلاء المسلمين سيبعثون على نياتهم، وهو إنما أراد تطهير البلاد من الكفرة الأنجاس!

يسكت ضميره وهو يشتم هذا ويسب ذاك ، ويتهجم على هذا ، ويقطر لسانه فحش قول ، وسوء أدب ، بحجة الغيرة على الدين ، والمحافظة على الأخلاق ، والفضيلة ! ولا أدري أي أخلاق بقيت لمن سلط لسانه في أعراض المسلمين؟ يتناسى أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده !

يسكت الضمير كي يسلب زوجه ميراثها ويتسلط على أموالها ، حجته المحافظة عليه ، وتنميته ، وأنها لو استطاعت لأنفقته في يوم أو شهر ، فلينفقه هو على نفسه وشهواته ، خير من أن تنفقه هي على مكياجها وفساتينها .

يسكت ضميره كي يتجاوز حقه الشرعي والنظامي ، فيتعدى في الصف لأنه مشغول ، ويسرع في الطريق لأنه في مشوار مهم ، ويقف في المنعطف غير مبال بمن خلفه ، أو يقف وقوفا مزدوجا لأنه لا وقت عنده ، أما الآخرون فعلام يستعجلون ، ليس وراءهم شيء ، هم إما في طريقهم لاستراحة أو لتسوق ، فلينتظروا ، أما أنا فلا وقت عندي لانتظار .

يسكت ضميره حين يتعجب من صنيعه إذا ما وجد غيره فعل معه مثل فعله فيسب ويكاد ينزل ليضرب ، حجته أنه ذاك لم يراع النظام ، ولم يحترم حقوق الآخرين .

يتنوع إسكات الضمير بين حالة وأخرى، وليس الغرض منها سوى إيقاف تأنيبه، ومع مرور الزمن يعتاد الضمير على كل مخالفاته، بل ويبدأ الضمير نفسه بإيجاد المخارج الشرعية والنظامية له، حتى يستطيع أن ينام قرير العين، يملك وحده حق العيش الكريم في هذه الدنيا، وما بقية الخلق إلا لتنفيذ رغباته وتحقيقها، فزوجه هي التي ينبغي أن تتزين له، وولده هو الذي يجب عليه أن يبره، وصديقه هو الذي يجب عليه أن يقف معه في الملمات، ورئيسه هو الذي يجب أن يقدر عذره، والناس هم الذين يجب أن يراعوا أحواله، يحتملون غضبه، ويتقبلون مزاحه، ويراعون نفسيته، ويقفون معه !

سل نفسك أيها القارئ الكريم متى احتجت أن تسكت ضميرك؟ أعني متى كانت آخر مرة أسكتَّ فيها ضميرك؟ ربما كانت آخر مرة جلست فيها تغتاب أحد الناس صديقا كان أو عالما أو حاكما، والأعذار كثيرة، تحذير، جرح وتعديل، بيان وأعذار، نصيحة، وحدث ولا حرج، لكن الضمير يأبى، ويصرخ بصوت عال لن أسكت أبدا، إنها غيبة مهما كسوتها به من لباس التدين والنصح، بل ربما فاقت الغيبة فصارت بهتانا مبينا.

سمها ما شئت، وجد لها كل عذر ، وخرجها على أيٍ من أبواب الفقه وأصوله، لكنك ستجد طعم لحم أخيك الميت في داخل ضميرك يوما من الأيام ، فإن لم تجده، وكان الضمير في صدرك قد مات ، فأعد لذلك اليوم الذي تنصب فيه الموازين عدته، وهناك تبلى السرائر، ويحصل ما في الصدور، حينها ستكتشف أنت وضميرك أنكما كنتما في غفلة، وفي غرور.

http://www.alriyadh.com/751176


Wednesday, February 17, 2016

متى تتحول معرفتك الى غشاوة

متى تتحول معرفتك إلى غشاوة ؟
فهد عامر الأحمدي
هل سبق وطرقت لحناً جميلًا على أي طاولة؟

...هل تتخيل كم شخصا سيعرف اللحن المميز "للسلام الملكي" أو "طلع البدر علينا" لو طرقته مجددا؟

ستقول غالبا : جميع الناس أو على الأقل 90% منهم..

ولكن الحقيقة هي أن 2,5% من الناس فقط سيتعرفون على لحن مشهور كهذا..

والفرق الشاسع بين النسبتين هو ماجعل جامعة ستانفورد تمنح إليزابيث نيوتن درجة الدكتوراة في علم النفس.. ففي عام 1990 قامت بتجربة قسمت فيها الطلاب الى فريقين رئيسيين (طارقون، ومستمعون)..

طلبت من المجموعة الأولى قرع لحن يعرفه الجميع (مثل أغنية عيد الميلاد) ومن المستمعين تخمين اللحن بسرعة..

وقبل أن يبدأ المؤدي بطرق اللحن كانت تسأله: كم تتوقع نسبة من سيعرفون لحنك فورا؟ فوضع معظمهم نسبا عالية جدا وصلت الى 100% (فمن لا يعرف أغنية سنة حلوة يا جميل)!؟

المفاجأة أن "المستمعين" لم يميزوا سوى 3 ألحان فقط من بين 120 أغنية مشهورة (وهي نسبة تعادل 2,5% فقط)..

لو حدث ذلك بينك وبين صديقك لقلت له "ماهذا الغباء؟" "أليس الأمر واضحا؟" "هل أنت أصم"..

ولكن الحقيقة هي أن السبب لا يعود الى غباء الناس أو إصابتهم بالصمم بل إلى إصابتك أنت بما يعرف ديناميكية المعرفة.. فأنت ببساطة تسمع اللحن يطرق في رأسك بشكل واضح (بل وسمعته ثلاث مرات منذ بدأت بقراءة هذا المقال) وبالتالي تعتقد أن جميع الناس تشترك معك في سماع ذلك..

غير أن الطرف الآخر لا يمكنه ببساطه قراءة أفكارك أو سماع اللحن بالطريقة العصبية التي تسمعها أنت!

وهنا يمكن القول إن معرفتك المسبقة أصبحت عائقا يمنعك من فهم الآخرين أو إمكانية استنتاجهم احتمالات أخرى (فتتهمهم بالجهل أو بطء الفهم)..

يحدث ذلك حين تحاول (خلال دقائق) تعليم شخص آخر أمرا تعلمته طوال سنوات (كلعب البلوت أو الشطرنج أو حتى قيادة السيارة).. فالأمور بالنسبة لك بسيطة وواضحة ولا تحتاج لذكاء كبير؛ ولكنك تنسى أنك لم تتقنها وتصبح بهذه المهارة إلا بعد سنوات من الممارسة والتمرين لم يمر بهما الطرف الآخر (فكيف تتهمه بالغباء وبطء الفهم!؟)

والأسوأ من عدم ادراكنا لهذه الحقيقة هو تضخمها بمرور العمر لدرجة لا نرى غير ما أصبحنا نجيد عمله بإتقان (فنتهم الجيل الجديد بالجهل أو النسيان)..

حين كنت أعمل في ثانوية للبنين أتانا معلم مكتبة تخرج حديثا، ولأن مدير المدرسة (الذي أوشك على التقاعد) يحمل نفس التخصص بدأ يسأله أسئلة دقيقة عجز المعلم الجديد عن الإجابة عنها.. وحين قام هذا الأخير التفت المدير نحوي وقال "شايف مستوى المعلمين هذه الأيام".. لم أشاطره الرأي وأعدت الأمر إلى فارق الخبرة بين الرجلين وحقيقة أن الأول يعزف لحنا يتوقع من الثاني تخمينه بنسبة 100%!

.. على أي حال الألحان والبلوت (والمعلم الجديد) مجرد نماذج لمعلومات، وخبرات نعرفها مسبقا ولكننا للأسف نتوقع من الآخرين فهمها بسرعة أو من المجتمع تطبيقها فور علمه بها (وبنسبة 100%).. وهذا "التوقع" هو الذي يجعل المديرين والآباء والأساتذة والوعاظ في حالة إحباط وغضب دائم بما في ذلك ربات البيوت مع خادماتهن..

.. وما أخشاه أنك تفعل ذلك أيضا مع أبنائك وموظفيك والناس من حولك .. أخشى أن مفاهيمك وخبراتك (الواضحة جيدا في دماغك) تحولت إلى عقبة تمنعك أنت من استيعاب مفاهيم جديدة وخبرات بديلة قد يملكونها هم!

الحل هو أن تكون أكثر حلما، وتفتحا، وتدرك تفاقم هذه الحالة كلما تقدمت في السن حتى (لا يعلم بعد علم شيئا).. أن تتقبل خلافاتك مع الأجيال الجديدة ليس على أساس أنهم أقل فهما ونضجا بل على أساس أنهم يملكون مفاهيم وخبرات جديدة لأن تعرفها أنت..

ومهما بلغت حيرتك أمام الأجيال الجديدة لا تتخذ من نفسك مقياسا (أو تحكم على الناس أساسا) وإِذا قال الرَّجل هلَك النَّاس فهُو أَهلَكُهمْ..