أمي
يا عِلةَ كياني ورفيقة أحزاني، يا رجائي في شدتي، وعزائي في شقوتي، يا لذتي في حياتي وراحتي في مماتي، يا حافظةَ عهدي ومُضيئةَ سهدي وهاديةَ رشدي، يا ضاحكةً فوق مهدي وباكيةً فوق لحدي، أمي وما أحلاكِ يا أمي....
يا عِلةَ كياني ورفيقة أحزاني، يا رجائي في شدتي، وعزائي في شقوتي، يا لذتي في حياتي وراحتي في مماتي، يا حافظةَ عهدي ومُضيئةَ سهدي وهاديةَ رشدي، يا ضاحكةً فوق مهدي وباكيةً فوق لحدي، أمي وما أحلاكِ يا أمي....
اذا تركني أهلي فأنتِ لا تتركينني وان ابتعدَ عني أحبابي فأنتِ
لا تبتعدين وان نَقَمَتْ علي الحياة جميعها فأنتِ تصفحينَ وترحمين. أنتِ يا مُسَّكِّنة
وجعي و ألمي ومُبيدة بؤسي وهمَّي، أنتِ وما أصفاكِ يا أمي. على بساط الأوجاعِ ولَدتِني،
وبأيدي الآلامِ ربَّيتني، وبعيون الاتعاب رعيتني، وبصدر المشقات حمَلْتِني، ثم
كَبُرتُ فقلوتُ آلامِك وسلوتُ أيامِك، هكذا نَسيتُ رحمي واحتقرتُ دمي فما أعقَّني
وما أوفاكِ يا أمي.
قد غِبتُ عنكِ يا أمي فغابَ عن عيني وجهُكِ الباسم بملامحهِ
الرقيقةِ الرزينة، ومعانيهِ الرقيقةِ الحنونة، وتراكمتْ على رأسي هُمومُ الحياةِ بضجيجِها
الهائلِ فَضعضعتْ فِكري وزلزلتْ قلبي. وتقاذفتني
أمواجُ المتاعبِ والشقاء فغرِقتُ في لُجَجٍ طاميةٍ وظُلُماتٍ داجية. وبعينين غشى عليهما الرُعبُ نظرتُ من أعماقِ
قنوطي فرأيتُ وجهكِ اللطيف الثابت يبتسمُ إليَّ من الأقاصي البعيدة: فبكيتُ وبكيت
وصرختُ "يا أمي". آه ما أقسى
الغربة وما أمر الوحشة، قد كرهتُ البعاد يا أمي فاشتاقت نفسي إلى ماضيها الأمين،
قد كرهتُ التمشي بين القصور الفخمة والمباني الشاهقة فاشتاقَ قلبي إلى بيتنا
الصغير المنفرد...
في المساء عندما أنطرحُ على فراشي الخشن القاسي أذكرُ يديكِ
اللطيفتينِ الناعمتينِ، وفي الليل لما تمتزج أفكاري بأبخرة الاحلام أشعرُ بقدميكِ
الصغيرتينِ تنقرانِ الارضَ حولَ سريري، وفي الصباح أفتح عيني لأراكِ فلا أرى غيرَ
جُدران الغرفة السوداء، ولأسمعُكِ فلا أسمعُ غيرَ أصوات الغرباء. وفي النهارِ أمشي بين النساءِ مفتشاً متسائلاً:
"أيتها النساء هل رأيتُّن أمي؟".
إذا مِتُّ يا أمي، إذا قَتَلَني وجدي ودفنت آمالي في هذهِ
الارضِ القاسيةِ الغريبةِ، فاجلسي عند
الغروب قُربَ غابةِ السنديان وأصغي هناكَ إلى رُوحٍ امتزجت بنسماتِ الغابة وأشجارِها
يُرَّتلن بهدوء متمايلات مرددات:
يا أمي....... يا أمي......يا أمي.
(أمين مشرق)
No comments:
Post a Comment