قرأت في كتاب الدكتور عبدالكريم بكار " هي هكذا" ما يلي:
"التقدم الخلقي والاجتماعي يكون ثمرة لذلك التوازن الخفي بين ما نأخذه من الحياة، وبين ما نقدمه إليها. إننا حين نهتم بأمور خارجة عن نطاق الانتفاع الشخصي المباشر، وحين نقوم بأعمال تصب في خدمة الوطن وتحقيق شيء من المصالح المشتركة، وحين نبذل الجهد في حقول الإنتاج المختلفة من أجل الحصول على ما نسد به حاجاتنا .... فإننا في الحقيقة نوفر صمَام أمان لأنفسنا من التآكل الداخلي الذي يسببه الفراغ والعيش السهل، كما أننا نوفر ما يحول دون استنزاف الإمكانات المادية المتاحة. المتعة التي ندفع ثمنها في صورة عطاء وإنتاج وإبداع وتعب ونصب توفر لنا قدراً من الشعور بالمسؤولية وقدراً من تهذيب الذات والسمو الخلقي بما تفرضه من ضغط على بعض الرغبات وتأجيل بعضها الأخر، وبما تتطلبه من تعلم واستيعاب للجديد وامتلاك للمهارات"
فسألت تشات جئ بي تي: كيف سيحصل البشر على هذا الشعور بعد أن يقوم الذكاء الاصطناعي بعمل كل شيء لنا؟
سؤالك يلمس واحدة من أعمق القضايا الأخلاقية والاجتماعية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي: إذا أزالت التكنولوجيا مشقة العمل والإنتاج عن البشر، فمن أين سيأتي ذلك الإحساس بالمعنى، والمسؤولية، والتهذيب الذاتي الذي يتحدث عنه النص؟
سأجيبك بشكل منظم:
⸻
1. خلفية النص الذي اقتبسته
النص يربط بين العطاء والإنتاج وبين التقدم الخلقي والاجتماعي. فالمجهود المبذول — سواء كان في العمل أو في خدمة الآخرين أو في تأجيل الرغبات لصالح هدف أكبر — يؤدي إلى:
• صمام أمان من التآكل الداخلي والفراغ.
• تنمية الشعور بالمسؤولية والانضباط الذاتي.
• تهذيب الرغبات والسمو الأخلاقي.
هذه الفكرة قريبة من ما قاله علماء النفس الإيجابي (Positive Psychology) حول أن “المعنى” (meaning) و**“الإنجاز” (achievement)** هما ركنان أساسيان في الرفاهية المستدامة، وليس المتعة السهلة فقط (Seligman, 2011).
⸻
2. ما سيتغير مع الذكاء الاصطناعي
مع توسع الأتمتة والذكاء الاصطناعي، البشر قد يجدون أنفسهم:
• بلا حاجة للعمل الشاق أو الروتيني.
• مع وقت فراغ هائل.
• مع وفرة مادية أكبر (في سيناريو مثالي).
لكن الفراغ ليس حيادياً؛ تاريخياً، المجتمعات الغنية أو الأفراد الذين حصلوا على “عيش سهل” واجهوا زيادة في القلق، فقدان المعنى، أو حتى مشكلات سلوكية (كما أظهرها Veblen في تحليله لـ “طبقة الترف”).
⸻
3. كيف يمكن أن يحافظ البشر على الإحساس بالمسؤولية والمعنى
حتى إذا قامت الآلات بالأعمال التقليدية، يبقى المجال مفتوحاً للبشر ليجدوا أو يخلقوا هذا الشعور بعدة طرق:
أ. التحول من العمل كواجب إلى العمل كـ رسالة
• العمل في المستقبل قد يصبح تطوعياً أو إبداعياً أكثر منه ضرورياً للعيش.
• سنقيس أنفسنا على أساس القيمة المضافة الأخلاقية أو الاجتماعية، لا مجرد الإنتاج المادي.
• مثال: الفنون، البحث العلمي، استكشاف الفضاء، الأعمال الإنسانية.
ب. التربية على الفضائل الداخلية بدل الفضائل العملية فقط
• الانضباط، ضبط النفس، المثابرة يمكن أن تُكتسب عبر الرياضة، الفنون، المشاريع المجتمعية، لا عبر “الوظيفة” بالضرورة.
• بعض المجتمعات قد تُعيد تصميم التعليم ليشمل “الجهد الموجَّه” (deliberate effort) كقيمة في ذاته (على غرار برامج الخدمة الوطنية أو برامج التطوع الإلزامي).
ج. إعادة تعريف “الإنتاج” ليشمل مجالات غير اقتصادية
• رعاية الأسرة، بناء العلاقات، حل النزاعات، تطوير الذكاء العاطفي كلها “إنتاج” بمعنى أخلاقي واجتماعي.
• الذكاء الاصطناعي لن يسلب البشر القدرة على التعاطف أو الاختيار الأخلاقي.
د. تبني “اقتصاد المشاركة” أو “الاقتصاد الإبداعي”
• حتى في بيئة أوتوماتيكية، الناس قد ينخرطون في ابتكار منتجات، محتوى، أو مبادرات جماعية ليس بدافع الكسب المادي بل بدافع الإنجاز أو الهوية أو المجتمع.
⸻
4. دروس من علم النفس والأنثروبولوجيا
• نظرية التحديد الذاتي (Self-Determination Theory) لــ Deci & Ryan تقول إن البشر يحتاجون إلى:
1. الكفاءة (Competence) – الشعور بأنك قادر على الإنجاز.
2. الاستقلالية (Autonomy) – أن تكون أفعالك نابعة منك.
3. الارتباط (Relatedness) – الشعور بالانتماء للآخرين.
• هذه الاحتياجات يمكن تلبيتها حتى بدون “عمل قسري”؛ لكن يجب تصميم أنظمة التعليم والثقافة بحيث تعززها.
• المجتمعات التي فقدت العمل التقليدي (مثلاً قبائل بعد الانتقال من الصيد إلى الدعم الحكومي) أظهرت زيادة في العنف أو المخدرات أو فقدان المعنى إذا لم تُوجد بدائل اجتماعية. هذا تحذير مهم.
⸻
5. سيناريو عملي للمستقبل
• الدولة قد تضمن دخلاً أساسياً، لكن تشجع “الخدمة الاجتماعية” أو “العمل الإبداعي” كشرط أو خيار مرغوب.
• التعليم يعاد تصميمه ليُنمّي الفضائل (التحمل، الإبداع، القيادة) بدل التركيز على “الوظيفة”.
• الأفراد يختارون مشاريع تتجاوز أنفسهم: رعاية البيئة، ابتكار علوم، فنون، تعليم أطفال، خدمة الفقراء.
• الثقافة تُعيد تعريف “السمو الخلقي” لا على أساس التعب الجسدي بل على أساس عمق الأثر الأخلاقي والإبداعي.
⸻
6. خلاصة
الذكاء الاصطناعي قد يسلبنا العمل الشاق، لكنه لا يستطيع أن يسلبنا الحاجة الإنسانية العميقة للمعنى والإنجاز والعطاء.
المفتاح هو أن نعيد تصميم نظمنا الاجتماعية والثقافية بحيث:
• تجعل “الجهد الهادف” جزءاً من الهوية الإنسانية.
• توفر قنوات للعطاء والمسؤولية حتى بدون ضغط الضرورة الاقتصادية.
• تحافظ على “صمّام الأمان” الذي وصفه النص، لكن بوسائل جديدة (خدمة، فن، علم، تطوع، رياضة)
ما رأيكم في إجابته، وهل تعتقد أن البشر سيتمكنون من تجاوز هذا الابتلاء؟
No comments:
Post a Comment